قصة اول جهاز وقاية ‏relay ‏digital ‎صنع بالكامل داخل مصر ‏AUAS‏

اين ذهب عويس؟

في سنة 2002 كنت عضوا في لجنة فحص أول جهاز وقاية من النوع الــ Digital relay مصنع بالكامل داخل مصر ، وكان أصحاب هذا الابداع اثنين من أساتذة هندسة شبين بالمنوفية  هما الدكتور حاتم درويش (المسئول الأول عن التصميم) وباشراف من أستاذ أساتذة الوقاية في مصر والعلامة الفرد بلا منازع المرحوم د عبد المقصود تعلب (الصورة الأولى)  ، وشارك في تصنيع هذا الجهاز الفريد مكتب د محمد رياض الأستاذ بهندسة القاهرة وهو أحد رواد التصنيع الهندسي في مصر ان لم يكن أولهم.

وحين انتهى د حاتم من تصميم الجهاز قدمه لوزارة الكهرباء من اجل فحصه واستخدامه في الشبكة ان ثبت أنه مناسب ، وهنا قامت ثورة على هذا الذى جاء لينافس سيمنز و ABB ويقدم جهاز وقاية تصنيع محلى !! ونظر أحد المسؤولين لاسم الجهاز حيث الحروف الأولى من الاسم كانت AUAS"  " ، ولم يكن الاسم مكتوبا بالكامل فقال : ايه ده ؟! واسمه "عويس" كمان؟ !!

ورفض الكل مجرد مناقشة الموضوع ، حتى تبنى الفكرة المرحوم المهندس محمود غالى وكان رئيس شركة توزيع مصر الوسطى وقتها ، وقرر على مسئوليته أن يضع الجهاز في شبكات مصر الوسطى (بعد أن تم فحص الجهاز عنده في بنى سويف) وبالفعل ثبتت كفاءته في الشبكة.

ثم حاولت مجموعة العمل بمساعدة هذا المسئول الوطنى الشريف التوسع في استخدام هذا المنتج المصري وأعادوا الكرة مع الوزارة مرة أخرى ، وأخيرا قررت الوزارة حتى تنتهى من هذا الصداع أن تشكل لجنة موسعة للفحص الشامل لهذا المنتج ضمت عددا من المتخصصين في الوقاية والشبكات وبرئاسة شخصية كبيرة في الوزارة ، وضمت اللجنة اثنين من أساتذة الجامعة هما أنا ، وصديق الدراسة د أشرف مجاهد من هندسة الإسكندرية 

وكانت اللجنة منقسمة  إلى فريقين أحدهما داعم جدا للجهاز وهذا الفريق فيه أنا وأشرف ، بينما الفريق الثانى كان  فيه رئيس اللجنة وعدد من كبار مهندسي الوزارة  الذين يرون أن استخدام الجهاز يعتبر مجازفة وشبكة التوزيع مش مستحملة أصلا!! 

وبدأت اللجنة عملها بإجراء فحص شامل للجهاز  عند د الحديدى متعه الله بالصحة والعافية في روض الفرج  وثبت أن الأداء الفني للجهاز في كل ال protection functions لا يقل عن مثيله من الشركات العالمية ، 

و طلب أحد كبار المهندسين في الفريق الثانى ان يختبر إلى أي مدى يتأثر أداء الجهاز بالمجالات الكهربية والمغناطيسية !!، وهذا الاختبار لا يتوافر إلا في معامل كيما في هولاندا وتكلفته الاف الدولارات ولن يستطيع احد تحمل هذه التكلفة ، 

وهنا ظهرت الأفكار الإبداعية من المهندسين الكبار وكان أحدهم من المدرسة الروسية القديمة ، فقال: أنا أعرف سكينة Disconnecting switch روسي في محطة القاهرة 500 بتطلع شرارة لحظة الفتح رهيبة (كما في الصورة) وبتعمل مجال ضخم فممكن نضع الجهاز قريب منها لحظة ارسال إشارة الــ tester اليه ونشوف هيحصل إيه؟!! واعجب رئيس اللجنة بالفكرة.

وبالفعل ذهبنا للقاهرة 500 ، وهناك أضاف رئيس اللجنة تعديلا جديدا على طريقة الاختبار ، حيث سحب منا الموبيلات وحطها على شكل دائرة حول الجهاز ، ووضع المجموعة كلها قرب السكينة، وطلب من العمال بالمحطة يتصلوا على موبيلاتنا في نفس اللحظة اللى السكينة بتفتح فيها وهى نفس اللحظة اللى بنضغط نحن فيها على زار الــ tester !!! ولك أن تتخيل هذا المنظر الفريد!! وكانت  أفكار فعلا إبداعية ،  والجميل أن الجهاز نجح في الاختبار ولم يتأثر بكل هذه المجالات الكهربية والمغناطيسية من حوله

ثم بدأت مرحلة الاختبارات الحقيقية في الشبكة فتم اختيار خط في إحدى قرى المنوفية وكان هذا الخط بيفصل خطأ ثلاث مرات في اليوم !!! وعلشان كده اختاروه!! (طبعا تم وضع الجهاز كــ back up) 

وحتى تاريخ سفرى للكويت كان كل شيء يسير على ما يرام وكنت اتصل بالدكتور حاتم من الكويت فيقول لى أنه حتى الان لا توجد ولا single mal function سجلت على الجهاز!!

وللأمانة كان يعيب هذا الجهاز شيء واحد .... وهو الشكل الخارجي ، فإضافة للأداء الفني الرائع للجهاز أراد الدكتور حاتم أن يثبت أن ثمن الجهاز أيضا غير مرتفع ، وهنا – كما كنت اضحك معاه - ضغط  العرق المنوفي عليه بشدة شوية!!  فتجده مثلا يعمل الــ Case الخارجية للجهاز عند ورشة ألوميتال ، ويشترى استيكر من مكتبة ركن الطلبة ويلزقه بأنبوبة أمير على الــ Case !!! 

لدرجة أنه أثناء فحص الاختبارات الفنية بروض الفرج جاء مهندس الاختبارات واللجنة كلها موجودة بالغرفة وبدأ يفك الــ Case لاكتشف أنا إن مسامير الــ Case مش كلها نفس المقاس!!! فعملت نفسى أن ظهرى واجعنى وسندت على المنضدة لاضع يدى على المسامير فلا يراها أحد!! 

لكن بعد سنتين أو ثلاثة أحيل م محمود رئيس شركة مصر الوسطى إلى المعاش  ، ثم توفى بعدها د حاتم فجأة دون مقدمات في يوم مناقشة مشروعات التخرج بشبين وكان كعادته بشوشا مع طلابه ويهزر معاهم  ، ثم رجع لبيته وقال لزوجته أنه داخل يرتاح حتى تنتهى من الغدا ، ولم يقم من نومه رحمه الله  ، وكان عمره حوالى 40 سنة ، وفقد الجهاز بذلك أهم اثنين كانوا بيدعموه.

ويظل السؤال الذى فعلا لا أعرف اجابته: 
أين ذهب عويس؟



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-